فالشيخ -رحمه الله- عرف الإيمان هنا بما عرفه به الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، ولا يقال: إن في هذا التعريف مصادرة على المطلوب، كما يقول المناطقة: إنه لا يصح أن يعرف الشيء بنفسه، فلو قيل لك: عرف العلم؛ فقلت: هو العلم بكذا وكذا، قالوا: لا يصح؛ لأنك عرفت العلم بنفسه، فلا بد أن تعرفه بغير كلمة العلم، وإنما بشيء يعرف به العلم، لكن في هذه الحالة نقول: إن الأمر هنا ليس من هذا الباب، فليس المقصود في التعريفات الشرعية بيان حقيقتها، أو ماهيتها المجردة على الطريقة المنطقية، وإنما المقصود: هو بيان معناها الشامل العام؛ لأن كلمة (الإيمان) ليست غريبة على العرب، وكذلك الصلاة والزكاة وغيرها؛ فهي من كلام العرب، لكن الشرع يأتي لها ببيان جديد شامل قد ينقل اللفظ من معناه القديم إلى غيره كالصلاة والزكاة مثلاً، فما كان العرب يعرفون أن معنى الزكاة،: دفع مال مخصوص، وإنما الزكاة في اللغة: هي النماء والطهارة وما أشبه ذلك، فنقل الشارع المعنى إلى إخراج جزء من المال في سبيل الله، لكن أصل المعنى معروف عندهم.
وأما الإيمان فلديهم معناه لكنه ضيق المفهوم ومحدود، فالناس كانوا يعرفون أن هذا مؤمن، وأن هذا غير مؤمن من خلال كلام أهل الكتاب وغيره، أنه يؤمن بكذا ولا يؤمن بكذا، ثم جاء الشرع فبين ذلك بياناً وافياً شاملاً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما عرف الإيمان قال: ( أن تؤمن بالله، وملائكته )، و(أن) والفعل معناهما المصدر، فأن تؤمن هو الإيمان، فليس هذا من جنس ما يذكره المناطقة وغيرهم، وإنما هو إيضاح للحقيقة الشرعية.